لو أَنِي ضَفطُتُ الزِنادَ فِي كُلِ مرةٍ أرخى قَيدُ الحياةِ نفسه، لماتَ القَيدٌ مِن فقدِ سيده.
أنحن فِي قِيد الحياةِ ام الحَياةُ هى التي بِنا مُقيدة؟
ألا تعرف يا حبيبي ان الكلام يبدأ بعد النقطة لا قبلها؟
هل يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة لنطلق على الأشياء اسمائها الحقيقة تماما كما تعنية لنا؟
ظَالِمةُ عيناك: شفيرها مِقصلةٌ و حجرُها دِير.
وحدها علاماتُ التشكِيلِ تمنعُ الكَلِماتٍ مِن الانحراف في المعنى..
لِهذا يحتاجُ البَشَرُ دائِما لكَسرةٍ ثُم ضَمة.
يقدم الكثير من الأصدقاء والزملاء في هذه الفترة العِدة استعداداً لِمقابلات التخَصصات الطبية التي ستبدأ قريبا. كُنت من المتقدمين لنفس المنصب قبل بضعة أشهر : الكثير من الأوراق الرسمية، السيرة الذاتية وأخيرا الإفادة الشخصية. رغم ان كل المعاملات والأوراق كانت بالإنجليزية، إلا اني اخترت ان تكوني إفادتي الشخصية حينها باللغة العربية إيمانا مِني بأن الإنجليزية لن توصل ما اريد قولة. ومِع الاحتمال الكبير بان تركن إفادتي في رصيف المهملات او تلصق بقشرة الملف، قمت بتسليمها باللغة العربية.. قبل عام كانت هذه إفادتي الشخصية لبرنامج جراحة الأذن والأنف والحنجرة- الرأس والرقبة.
هُناك تلك اللحظة التي تصفق بكل شيء سبقها عِرض الحائط لتدخلك بعدها مرحلة الوعي والإدراك الجبري. من دون مقدمات، تغتال فيك كل شي لا يذكر لترسخ نفسها بداية لكل شيء يأتي بعدها. لم افهم يوما لماذا اقضي من الوقت الكثير في قراءة مناهج ما اخال كثيرها يسكن فِيّ الأن إلا حروف متأخية أعجمية بلا فهرسة او معجم مرافق. وحده كتاب الجراحة كان يشعرني باني واقفة فيه بحب لا واقعه.. فما أجمَلُ مِن تقرأ شعرا عن جسد اعزل انت فيه يد الرب تُبارز بالعِلم والمهارة لتِبقي للجسد ذاكرته؟
لكل شيء جاذبية تتجملُ في عِين الناظر بالبصيرة مهما كانت قشرته. ما احب في الجراحة بجملتها ان هناك عُطباً يُرى فيعرف المرض وتقاد اتجاهه دفة العلاج. فإن عُولج فقد بوركت وإن لم يوجد عِلاج فقد قطعت الشك في هيئة المرض باليقين فلا يكون خلف السبب لبس إذ دائما ما يكون الوجع من آلم مجهول اشد واقوى. وما زال الجراحة العامة مجال محببا إلى ان بدأت التدريب في قسم جراحة الأذن والأنف والحنجرة – الرأس والرقبة. وجدت في هذا التخصص بيئة العمل المتجددة والتنوع المحبب والتطور العلمي/التقني المستمر إضافة الى مجال العمل المفتوح المصرعين كغيرة من التخصصات الطبية القديمة الجديدة في السلطنة. يتيح هذا التخصص للطبيب ممارسة الطب بمجاليه الرئيسيين: الباطنية والجراحة والعمل في عيادة خارجية وايضا قسم الإقامة مما يتيح توفير شيء من الوقت للتعلم والأسرة. كذلك، يمكنك من رؤية مرضى من الجنسين وكل الفئات العمرية مما يكسب خبرة اكثر ويبث التجديد. ما يجذبني إليه اكثر هو التخصصات الفرعية المتاحة والتي فيها من التحدي والمهارات الممكنة الاكتساب الكثير. فهناك تخصص زراعة قواقع، الجهاز السمعي و تجميل الوجه. عدا، قسم جراحة التشوهات الخلقية في الأطفال و جراحة الحنجرة والرقبة مما يلبي اغلب النزعات الطبية لدى الطبيبة قبل الطبيب. فالعمل مرضي من ناحية الجهد المبذول و النتيجة فأغلب المرضى يدخلون بعاهة ويخرجون صحيحين معافين وهذا ما يجعل من جراحة الأذن والأنف والحنجرة- الرأس والرقبة تخصصا احلم بالخوض فيه بإسهاب فاسمح له بسلب الوقت مني بقبلة ورضى.
أجد في نفسي الرغبة لممارسة الطب وحب التعلم وإنهاء المهام مهما كانت دنيئة وبسيطة. املك من المهارات الحية ما يمكن صقلة بمزيد من التدريب ليكون متجها للجراحة فينتج ببذخ. لا أمانع العمل الإضافي وقفز الحواجز للوصول إلي شيء وان كان الطريق طويل ومتعب. لكل شخص منا شيئا وجد فيه حتى يخدم البشرية فيبرع ، وانا وجدت لأبرع في هذا المجال لهذا اعتقد ان فرصة الدخول في تخصص جراحة الأذن والأنف والحنجرة- الرأس والرقبة هي الفرصة التي احتاجها حتى أقدم أفضل ما لدي في المجال الطبي فاخدم بذلك مجتمعي المحلي واساهم في تطوير الخدمات الطبية في السلطنة، خصوصا في منطقة الباطنة حيث اتي.
قد لا أكون أفضل المتقدمين سيرةً ومعدلًا ولكني بالتأكيد من الأكثر عزما على المثابرة والإنجاز. أطمح بعد الدخول في البرنامج التدريبي لجراحة الأذن والأنف والحنجرة إلى مواصلة الدراسة في الخارج بعد سنة او سنتين من العمل في عمان حتى اكتسب مهارات ومخبرات يمكن ان تضيف للخبرات المحلية بغية التطوير والتحسين. أسعى بعد ذلك إلى التخصص في جراحة الوجه الذي اعتقد انه مطلب الساعة نظرا للتزايد الكبير في حوادث الطريق كذلك كون التخصص غير موجود في مستشفى صحار المرجعي حيث ارغب في العمل لاحقا ممكن سيخدم الكثير شريحة كبيرة من مراجعي منطقة الباطنة. كذلك، اسعى للالتحاق بكلية عمان الطبية حيث تخرجت للعمل كمحاضرة/ معلمة إكلينيكية في قسم الجراحة حتى اساهم في تدريب الافواج الجديدة من خريجي الكلية فأكون بذلك ارجعت شيئا من فضل الكلية علي وكنت قدوة للدراسين فيها وساهمت في نشر جودة التعليم العماني في القطاع الخاص.
الوقت يمر بنا على عجل، هذه حقيقة لم اكن حتى وقت قريب أفهم المراد منها. إذا كان الوقت يقطع من المسافة الكثير ، كيف لنا ان لا نتحرك معه بنفس السرعة؟ مر شهران و ربيع على بدء العمل كطبيبة إمتياز ولو انها تبدو بالقصيرة إلا اني اعيشها بالدقائق لا الشهور.
الكثير من الامور على اليمين وعلى الشمال وانا وإن بدأت العمل ميلا لليمين اجد نفسي اليوم ملاصقة للشمال لا محالة. اول يوم عمل كان كالعيد استعددت له بقراءة كتاب عن الإنطباع الأول وتاثيره على بيئة العمل ثم إعداد معطفي الأبيض والسماعة ليسكنا الشماعة بطريقة تجع منهما اول ما اراءه في الصباح. وفي الصباح، نهضت قبل الديك بقليل وبهندمة كامله تناولت الفطور وقت السحور وانا لا اتناول فطور السحور عادة مال يكن اليوم محفوفا بالوقوف او الصُحبةِ الدَبقة. قبل السابعة صباحا، كنت في قاعة الإجتماعات الصباحية الخاصة بقسم جراحة الأذن والأنف والحنجرة. اتحدت مع الكرسي ل45 دقيقة تصفحت اثناءها خلاصة الأخبار من العربية والجزيرة بعد ان ارتشفت حصة االتغريد الصباحية. أحب قراءة التغريدات العمانية الصباحية. أشعر معها بالإنتماء للسلطنة، كلنا في عُمان نبدأ الصباح بنفس الإنطباعات والتعليقات والطريقة. المهم، قبل الثامنة بربع الساعة، أنضمت إللي فتاة طويلة ضئيلة تبدو عليها الكِياسة والإندِفاع العفوي. تبادلنا حديث مقتضب شاركتنا فيه طبيبة مستجدة أخرى تبين لي بعدها انها والأولى أصدقاء دراسة. انتقلت المحادثة من العامة للخاصة في وقت قليل لأتحد مع الكرسي من جديد حتى امتلئت الغرفة بجميع أطباء القسم المتواجدون في ذلك الوقت. رحب بنا رئيس القسم بطلف غريب جميل ما تعودت عليه من قبل، و د. راشد عماني صغير الهيئة ظريف المحيئ وبسام، لكنته اقرب للأصالة العمانية منها لمسقط العامرة بالأقنعة. بعد الإجتماع، توجهنا إلي العيادة الخارجية لتعرف على طبيعة العمل والفحص السريري. الإستشارية التي تبنتا في ذلك الوقت كانت بِلطف جَدَةِ اكتفت من الدنيا ولم تبخل علينا بالأساسيات التي ما كنت اعرفها مقارنة بمن كانَّ معي إذ انه لم يسبق لي تعلم المهارات السريرية الخاصة بهذا التخصص بتفصيل من قبل. انتهى اليوم مع نهاية حديث الإستشارية الحنون. قد يبدو موجزا بشدة ولكن علي القول ان غرابة اليوم من القلق والخوف ما كان ليكون قليلا هكذا لولا الصحبة التي كانت معي فالفتيات كُن في قمة الإحسان في تعريفي بالمكان والشخوص وملخص لما يحصل عادة في يوم عمل عادي. لست أفضل متحدثة وبالتأكيد لست اكثر جليس مُحبب ولكن أعتقد ان هز الرأس إيجابا ونفيا والإقتضاب في الردود ليس أمرا سيئا بين الفينة والفينة.
إنقضى الشهر الأول وانقضى معه مصير التيه بعد الإمتياز باليقين اني شغوفة بتعلم كل ما يتعلق بجراحة الأذن والانف والحنجرة. الحماسة والفرح التي وجدتها في نفسي وانا اقوم بأكثر الأعمال دونية في ذلك القسم أمر لم اجده في الشهرين التاليين وإلى الآن. ان انهض كل يومِ صباحا لأقوم بعمل الأشياء نفسها برضى فهذا هو الشغف. وهذا، بإذن الله، ما اتمنا ان اقوم به متى ما شاء الله.
أشعر بالإرهاق والإكتفاء. أرغب بفعل شي جديد غير المذاكرة ولو ليوم واحد. أحب المذاكرة، احبها كثيرا جدا جدا، ولكن الشعور بانها “فرض” لا بد من القيام به كل يوم يجعلني اتسمر اليوم بكامله أمام صفحة واحدة ليضيع الوقت دون ان اذاكر او افعل شي اخر. إنتهيت اليوم من أخر يوم دراسي في الكلية وكل ما تبفى هو إمتحانات شهادة الطب التي تبدأ في منتصف الشهر القادم وتنتهي في الثالث من يوليو. أشعر بالوقت يتسارع والخوف من الإمتحانات يغلي لذروته. هل سبق وشعرتم ان المذاكرة سوف تفسد معلوماتكم التي تعرفونها؟ هذا ما اواجهه الآن…
وحدهم الكُتابُ والمُحققون يُعيدون المُوتى للحَياة، لِهذا تَوقَفتُ عن كِتَابَتِك.